آن روزها

آن روزها

یاد روزهای دیرین، مطالب، خاطرات و شعرهای خودمونی
آن روزها

آن روزها

یاد روزهای دیرین، مطالب، خاطرات و شعرهای خودمونی

تاریخ علوم اللغة العربیة القدیم ـــ ک.أ.هـ.سمعان(*) ـ ت.عبد الها

تاریخ علوم اللغة العربیة القدیم ـــ ک.أ.هـ.سمعان(*) ـ ت.عبد الهادی عیلة· من هنا حیث تقف الآن فی الغرب المسیحی تبدو بانوراما اللغویات کما یلی: فی الخلفیة وفی الأفق البعید،

نرى أثینا ومفکریها ما قبل وما بعد سقراط یتجادلون.. وبعد أثینا نرى الهند وماردها المبجّل ذا الرداء الأصفر ـ بانینی وخلفاءه من الرجال الصغار اللامتمیزین، ینحنون فوق شیء کرق المخطوطات وعلیه أحرف غریبة مکتوبة. وأمام منظر أثینا والهند نرى روما بمعابدها ومدرجات ألعابها الرائعة وفرقها العسکریة ومحاربیها الشاخصین القاهرین مقابل مجموعة صغیرة جداً من الرجال الصغار مزودین بالریش ومواد الکتابة. تقف قرب روما مجموعة أصغر من الرجال، نتعرف إلى هؤلاء «بدون أی تعلیق» کمجموعة إنجیلیة لا علمیة من الذین سیکونون علماء فی المستقبل. وأمام هذه المجموعة وحتى الصرح الذی تبدو علیه الحداثة، وهو (پور رویال دی شان) لا نرى شیئاً غیر الرمال؛ هذا هو العصر الإسلامی، ویقال لنا إنه فضاء قاحل، إنه العصور المظلمة.

هذه البانوراما التی رسمها الغربیون لمنظر علوم اللغة غیر دقیقة، لأنه بین أثینا وروما وپور رویال دی شان هناک مناظر ذات جمال أخاذ: إنها ألوان علوم اللغة لإسلام العصور الوسطى.

هذه الملاحظة التمهیدیة تهدف إلى فتح شهیة الباحثین والعلماء الغربیین، وتحثهم على النظر إلى ما وراء التراث الأوربی ـ إلى تقالید أفریقیا وآسیا لیتعلموا تاریخ موروثهم اللغوی ـ إذا لم نقل لیجدوا جذورهم. یرینا مسرد الکتب (البیبلیوغرافیا) الطریق لاکتساب مثل هذه البصیرة، إنه یقود الباحثین والعلماء إلى منبع المعارف العربیة الإسلامیة فی مجال علوم اللغة فی العصور الوسطى الذی یتحدانا طریقه حقاً. إن أحد عناصر قائمة المتطلبات هو قراءة اللغة العربیة وفهمها، وهذا عنصر لا بد منه، لأن اللغة العربیة هی لغة الموروث الإسلامی وناقلة علومه، إنّها إحدى لغات العالم الرئیسیة الثلاث عشرة، والتی یتمتع بقدرة انتشاریة وثقافیة. واللغة الأم لأکثر من مئة ملیون نسمة وثمة أکثر من ستمئة ملیون نسمة یستخدمونها. إنها لغة اللاهوت والفلسفة والأدب والعلوم فی العصور الإسلامیة الوسطى.

اللغة العربیة:

تماماً کما کانت اللغات الرومانیة نتائج لغویة للإمبراطوریة الرومانیة، فإن اللغة العربیة نتیجة لأعمال رسول الإسلام محمد ونشاطه وبعثته وأحادیثه، والنتیجة الثقافیة للتطورات اللاحقة. لأن اللغة العربیة کتبت وتخلدت أولاً کلغة القرآن. إن اللغة الشعریة والنثریة قبل نزول القرآن لم تجمع ولم تکتب حتى نحو مائة سنة بعد وفاة محمد.

وعلى العکس من أی موروث لغوی معروف لدینا، تستمر اللغة العربیة کلغة حیة لم تخضع لتغیرات فونولوجیة هامة فی صیغتها الأدبیة والعلمیة، رغم أن عدداً من اللهجات المتمیزة لغویاً تطورت منها. ولکن هذه اللهجات محکیة فقط، لم یدون أیاً منها إلا على سبیل التجربة. فی هذا المجال لم تتطور اللغة العربیة مثل اللغة اللاتینیة القدیمة والعامیة.

تطورت بالطریقة التی تطورت بها اللغة القدیمة إلى اللغة الإنجلیزیة الحدیثة، رغم أن اللغة العربیة کوسیلة تواصل تطورت على الطریقة نفسها التی تطورت بها اللغات الأخرى.

ولکن نظراً لقداسة صیغة اللغة الأدبیة والعلمیة، فإنها تبقى حتى الیوم من ناحیة الصوتیات (الفونولوجیا) والوظیفة البنیویة مماثلة للغة القرآن ـ الکتاب الذی یتضمن کلام الله الذی أوحی إلى محمد أثناء رسالته کنبی وقائد للدولة الإسلامیة الأولى فی المدینة، أی فی الحجاز فی العربیة السعودیة الیوم. وفیما یأتی مقارنة بین اللغتین العربیة والإنجلیزیة.

اللغة الإنجلیزیة القدیمة

اللغة العربیة القدیمة

الانجلو ـ ساکسونیة من أواسط القرن الخامس حتى القرن الثانی عشر المیلادی.

ما قبل الهجرة من نحو 959 قبل المیلاد حتى نحو 267 میلادیة.

اللغة الإنجلیزیة المتوسطة: لغة أُمبریا الشمالیة ولغة میرشیا ولغة الساکسون الغربیة نحو 1150 ـ 1400

اللغة العربیة الوسطى: الهجرة ـ النمارة ـ جبل رم ـ زَیَد حران (نقوش) إلى 500 میلادیة.

الإنجلیزیة الحدیثة

العربیة الحدیثة

من أوائل القرن الخامس عشر حتى الآن.

من أقوال محمد وخطب الجاهلیة المکتوبة نحو 600 میلادی إلى الآن.

وفی الوقت الذی استمرت اللغة الإنجلیزیة فی تطویر الصیغة المحکیة، بقیت اللغة العربیة بعیدة عن الصیغ المحکیة. وهنا تظهر اللغة العربیة فرادة فی تاریخ اللغة لا مثیل له: ثنائیة؛ حیث الصیغة العلیا (الفصحى) من اللغة هی وحدها الجدیرة بالبقاء. ولکن اللغة العربیة المحکیة تطورت بصورة طبیعیة.

العرب المثقفون وغیر العرب:

ـ العربیة العلیا (الفصحى): الدینیة والأدبیة والعلمیة ـ مکتوبة ومحکیة منذ القرن السابع المیلادی حتى الآن.

ـ العرب وغیرهم (مثقفون وغیر مثقفین):

اللغة العربیة الإقلیمیة ضاعت فی التاریخ، باستثناء اللهجات الحالیة المستخدمة الآن فی المنطقة الآسیویة والأفریقیة. وهذا ـ ربما أکثر من أی شیء آخر ـ ما یجعل اللغة العربیة نموذجاً فریداً للدراسة اللغویة، ویجعلها منتجة ومثیرة للاهتمام.

العرب ومعرفتهم الواسعة للألسنیة:

من الطبیعی أن العرب أنفسهم کانوا الأوائل فی دراسة لغتهم بصورة علمیة. حدث ذلک أولاً نتیجة لاتصالهم بغیر العرب وثانیاً لأسباب دینیة. قبل بعثة محمد بن عبد الله رسول الإسلام، سکن العرب الجزیرة العربیة. تلک الجزیرة هی المنطقة الجغرافیة التی نسمیها شبه جزیرة العرب. ونظراً لأن البحار تحیط بها من ثلاثة أطراف، وتحیط بها الصحراء من الطرف الرابع، فقد اعتبرها السکان جزیرة لا شبه جزیرة. انقسم هؤلاء العرب إلى مجموعتین رئیستین: الجنوبیون وهم الحمیریون فی العربیة السعیدة والعرب الشمالیون من مجتمعات حضریة وبدویة فی الصحراء العربیة، وهذان المصطلحان: العربیة السعیدة، و(الصحراویة) هما التسمیتان اللتان أطلقهما الجغرافیون والمؤرخون القدماء. لم یترک عرب الشمال أی شیء یشیر إلى معرفة لسانیة متقدمة، ولکن الحمیریین الجنوبیین ترکوا مدّونات من القرن العاشر قبل المیلاد وما بعده تدل على درجة متقدمة من المعرفة. ویظهر مثال هذا الفکر فی منشورین جدیرین بالاحترام وهما:

کونتی روسینی: «معجم لمختارات نقوش الجنوب العربی» ـ روما 1931.

ماریا هوفْنَر: قواعد لغة الجنوب العربی القدیمة ـ لایبزیغ، 1943.

تظهر هذه المدونات أن فی مرتبة صوتیة واحدة ـ أصوات الصفیر ـ میز عرب الجنوب ست وحدات (فونیمات) صوتیة وهی (س)، (ش)، (ص)، (تش)، (ز)، (ظ).

ولکن بعکس قدماء الهنود، لم یترک الحمیریون کتباً لسانیة تصف لغتهم. وربما یعود ذلک إلى أن حاجاتهم لم تکن متعلقة بالدین ولا بالأدب الملحمی، کما کانت حال الهنود القدماء والیونان القدماء على التوالی. ومع مجیء المسیحیة فیما بعد، استعمل عرب الشمال ـ النبطیون اللغة الآرامیة ذات الحروف الاثنین والعشرین لکتابة وثائقهم. وعملیة الاقتراض من هذه لم تتضمن أی شیء عبقری. إنها تکیف مؤقت لم یترک أی أثر هام لا على اللغة العربیة ولا على بنیتها اللسانیة أو تطورها اللاحق.

فی القرن السابع المیلادی أنزل القرآن على محمد بلهجة قبیلة قریش. فی ذلک الوقت المبکر من تاریخ العرب لم تکن هناک لهجة عامة فی الجزیرة العربیة؛ إذ تکلم العرب لهجات تختلف إلى حد بعید فی أصواتها الوظیفیة وبنیتها وعباراتها الاصطلاحیة. تحدث نبی الإسلام محمد بلهجة مکة المحلیة؛ أی لهجة قبیلته وقبل تلک الفترة وخلالها ظهرت لهجة معیاریة إلى حد ما، وصار یستخدمها الشعراء والخطباء فی الجزیرة العربیة، ولا بد أن محمداً استخدم هذه اللهجة المعیاریة فی أحادیثه العامة. ولکن ما نعرفه بالتأکید هو أن الدراسة النقدیة الرسمیة للنص القرآنی تؤکد تعلیمات الخلفاء القاضیة بأن القرآن یجب أن یکتب بلغة قریش.

فی فترة جمع القرآن کانت الکتابة العربیة المستخدمة عموماً ناقصة. کان الحرف نفسه یستخدم للدلالة على عدد من الأصوات المختلفة. کانت هناک إشارات للصوامت، ولم تکن هناک إشارات للصوائت، ولم تکن هناک طریقة تشیر إلى مضاعفة الحروف الصامتة، ولم تکن هناک إشارات للحروف الصوتیة الأنفیة، إلخ.. الدراسات الصوتیة المبکرة فی صدر الإسلام صححت هذا الوضع بإنتاج نظام کتابة صوتیة یقارب الکمال.

العرب والمسلمون وأعرافهم اللسانیة:

أدّت بعثة محمد الإسلامیة إلى دخول أمم کثیرة فی الدین الجدید. کما کان الإسلام أیضاً أداة لانتشار اللغة العربیة التی اکتسبتها الشعوب التی دخلت فی الإسلام وشعوب الفتوحات. والذین تکلموا العربیة واستخدموها فی محاولاتهم العلمیة والثقافیة تمثلتهم الأمة العربیة وصاروا عرباً. کانت الغالبیة العظمى من الأمة الجدیدة مسلمة، واستمرت المجموعات الصغیرة من المسیحیین والیهود والأقلیات الأخرى فی البقاء بین الغالبیة المسلمة تشارکها فی الواجبات والازدهار الذی جلبه الدین الإسلامی المتسامح وتعالیم رسوله.

وهکذا بدأ عصر جدید من الثقافة العالمیة ـ إنها عربیة بالغة، وتدین بالإسلام وعالمیة المدى.

ومنذ عصر الرسول أصبح من الممکن الحدیث عن العرب لا الأعراب. والآن تشکلت مرحلتان فی اللغة العربیة: مرحلة الإسلام ومرحلة ما قبل الإسلام، الأولى هی العصر الذی نتج عن بعثة محمد، والثانیة تشیر إلى عصر وثنیة الأحداث والحوادث الیهودیة والمسیحیة التی جرت فی ذلک العصر.

إن مجیء الإسلام هو الذی ولَّد اهتماماً حقیقیاً فی علوم اللغة. وهذا یعود إلى تأکید الإسلام على القرآن الذی احتضن اهتماماً متزایداً بالعربیة کلغة وکموضوع للدراسة. ونظراً لأن الإسلام «دین الکتاب» فقد أکد قداسة کلمة الله (القرآن).

انتصر الإسلام، وحیثما ذهب رافقه القرآن. وبغض النظر عن التقالید اللغویة للذین دخلوا الإسلام بعد الفتح وغیرهم، کان القرآن کلمة الله التی لا یأتیها الباطل ولا یمسها التغییر، ودلیل الحیاة لکل المؤمنین، ولهذا توجب أن تحفظ سلیمة.

فی البدایة حفظ القرآن عن ظهر قلب. کان هناک فئة من رجال العلم الذین کانت وظیفتهم تلاوة القرآن من الذاکرة ـ القراء ـ کان هذا العصر عصر التوسع عبر الحروب وعصر الجهاد وکان القراء بین المجاهدین فی سبیل الله. فقد حاربوا واستشهدوا کالمسلمین الآخرین، ولکن موتهم شعر به الآخرون بحدة أکثر من موت غیرهم، ذلک لأنهم کانوا النقَلة المخلصین لکلمة الله (القرآن). أدّى الخوف من انقراضهم إلى تدوین القرآن، وإلى الخطوة الأولى فی علوم اللغة العربیة: دراسة أصوات اللغة العربیة.

دراسة الأصوات:

فی بدایة القرن السابع المیلادی کانت اللغة العربیة لغة الأعراب. وابتداء من عصر محمد انتشرت اللغة: أصبحت لغة الدین الإسلامی والشعوب الإسلامیة وغیر الإسلامیة، فی الجزیرة العربیة وخارجها ـ المسلمین ـ لغة الثقافة، ثقافة المسلمین کل المسلمین والعرب کل العرب: المسلمین والیهود والمسیحیین وحتى الوثنیین والکفار والملحدین. اضطر المسلمون غیر العرب وإخوانهم المغلوبون إلى تعلم اللغة العربیة کلغة ثانیة. وهذا تطلب فی البدایة تعلم النظام الصوتی للغة العربیة الذی أدى فی النهایة إلى الدراسات المنهجیة لصوتیات اللغة.

یخبرنا مؤرخو الثقافة العربیة أن دراسة علوم العربیة بدأت بالإمام الظاهر المحارب علی بن أبی طالب ابن عم محمد وصهره. وتتمیز نقطة انطلاق أعمال علی بکلمة واحدة ـ اللحن ـ الاستعمال الخاطئ للغة من قبل المسلمین غیر العرب وغیرهم. انتقلت معلومات علی اللسانیة إلى أبی الأسود معلم عنبسة، ومنه إلى تلمیذه میمون الأقرن معلم ابن أبی إسحاق الذی تعلم عیسى بن عمر منه القواعد، والذی علّم بدوره الخلیل معلم سیبویه المدعو أبا التقالید اللسانیة العربیة، لأنه الرجل الأول الذی ألف موجزاً منهجیاً لعلوم اللغة العربیة.

کان سیبویه مسلماً فارسیاً اسمه الحقیقی أبو بشر عثمان بن قنبر. وکلمة سیبویه هی تعریب للکلمة الإیرانیة من الفارسیة الوسطى سیبوی ـ ومعنى کلمة سیبوی أو سیبویه لا یزال موضوعاً للبحث. وفی أعمالی التی تشیر إلى دراسات الآخرین الوسطى والحدیثة، قلت إن سیبوی تعنی «التفاحة الصغیرة». والآراء الأخرى، الوسطى والحدیثة، حاولت أن تظهر أن لقب سیبویه یرادف «الشذى الکثیر» و«زهر التفاح». وفی بحث عرض فی عام 1974 فی مؤتمر سیبویه فی جامعة شیراز، جادل الدکتور عبد المهدی یادیغاری من جامعة طهران قائلاً: إن اسم سیبویه لقب یعنی «تفاح الله» أی «الرجل فائق الجمال الذی تمثل خدوده تفاحة الله فائقة الجمال». ومهما کان ذلک فإن إسهام سیبویه فی علوم اللغة الوسطى عموماً وعلوم اللغة العربیة على وجه الخصوص یضمها مؤلفه المسمى بکل بساطة: «الکتاب». والکتاب مقال موجز صعب القراءة حول بنیة اللغة العربیة فی مسائل الصوتیات، کان تحلیل سیبویه دقیقاً لدرجة أنه لم یتجاوزه تحلیل آخر حتى الیوم. ولتوضیح دقة تحلیل سیبویه، یرینا الجدول المقارن التالی تحلیل سیبویه بالمقارنة مع غیردنر جونز:

التصنیف

سیبویه

جیرودنر ـ جونز

حنجری

ء

نفسه

 

هـ

نفسه

حلقی

ع

نفسه

 

ح

نفسه

لهوی

ق

نفسه

طبقی

ک

نفسه

غاری

خ

نفسه

 

غ

نفسه

نطعی

ش

نفسه

 

ن

نفسه

نطعی غاری

ط

نفسه

 

ذ

نفسه

 

ش

نفسه

 

ظ

نفسه

أسنانی

ت

نفسه

 

د

نفسه

 

ل

نفسه

 

س

نفسه

 

ز

نفسه

أسنانی ـ شفوی

ف

نفسه

شفوی

ب

نفسه

 

م

نفسه

وهذا یظهر أن معرفة سیبویه لعلم الأصوات النطقی کانت جیدة، وتصنیفه لصوامت اللغة العربیة کان صحیحاً. فی الحقیقة کان متقدماً فی معرفته لعلم الأصوات بحیث استنبط فکرة علم الصوتیات الوظیفیة: إنه تقدم بفکرة صنفین من الأصوات ـ الأساسیة والمشتقة.

الأصوات الأصلیة هی ما نسمیها الیوم أصوات اللغة الوظیفیة (فونیمات) والأصوات المشتقة هی من تفرعات الأصوات الأساسیة مثل «صوت النون الأنفیة (المخنون) قلیلاً، وصوت الهمزة نصف المنطوقة (همزة الوصل) وصوت الفتحة الممدودة، إلخ.. المشتقة من أصوات النون والهمزة والفتحة الممدودة بالترتیب.

یجب أن نتذکر أن کل ما عرفه العرب فی القرن الثامن المیلادی عن تشریح الجسم البشری، هو ما تعلموه من الیونانیین وطلابهم السریان والفرس الذین کان مصدر معرفتهم التشریحیة هو أعمال غالینوس التشریحیة. وعلماء الصوتیات العرب هؤلاء لم یعرفوا وظیفة الحبال الصوتیة، وذلک قادهم إلى وصف أصوات اللغة الوظیفیة بصورة مختلفة قلیلاً رغم صحتها الکاملة. وأحد أصناف الأصوات الذی لم یفهموه بالکامل هو الصوائت. لقد اعتبروها أجزاء من الصوامت فوصفوها بارتباک ما عدا تحلیل ابن سینا الذی أدرکها کما یلی:

ـ الألف والفتحة

ـ الیاء والکسرة

ـ الواو والضمة

وهی ما نعرفه الآن نفسه.

الدراسات الصرفیة والنحویة:

إن دراسة سیبویه النحویة والصرفیة للغة العربیة لم تکن أقل روعة. وکما أظهر میشیل کارتر من جامعة سدنی، کان مقاربته تأملیة ووصفیة. عالج سیبویه فی «الکتاب» کل الحالات اللغویة تقریباً فی العربیة، فعالج کل التراکیب مستخدماً المنهج المقارِن. إنه بحث شامل «لکل التعابیر المعروفة فی اللغة». ومن الطبیعی أن سیبویه کان یتحدث عن التعابیر المعروفة له وضمن مجال تقدیره الخاص.

تظهر دراسة کارتر أن سیبویه اعتبر اللغة فعلاً اجتماعیاً، وهذه قضیة تلقی «بعض الضوء المثیر للاهتمام على التاریخ العام للنحو العربی، إذ إنه یضعف إلى حد خطیر الافتراض الشائع بأن النحو العربی یجب أن یُشتق بطریقة ما من النحو الیونانی أو المنطق». إنه یفسر النحو بأنه «طریقة کلام الناس»، ظاهرة سلوکیة، طریق، ممر، وکل هذه الکلمات مألوفة فی المصطلحات اللاهوتیة، أیضاً. ومن المثیر للاهتمام أن سیبویه یستقدم إلى تحلیله اللغوی للمنهجیة العربیة تلک المتماثلات فی البحث الأخلاقی، مثل مقولات: المستقیم والجائز والحسن والقبیح والمحال. ویرد فی ترجمة کارتر للنصوص الملائمة ما یلی:

ما هو الصح والخطأ فی الکلام؟! هذا یشمل: المستقیم والحسن والمحال، والکاذب، والمستقیم والقبیح، والمحال والکاذب.

1 ـ المستقیم والحسن هو عندما تقول: أتیتک أمس أو سآتیک غداً.

2 ـ المحال عندما تناقض بدایة کلامک نهایته. مثال: أتیتک غداً أو سآتیک أمس.

3 ـ مستقیم وکاذب: عندما تقول حملت الجبل أو شربت ماء البحر.

4 ـ مستقیم وقبیح: عندما تضع ما تقوله فی غیر مکانه. مثال: قد زیداً رأیت أو کی زیداً یأتیک.

5 ـ محال وکاذب عندما تقول: سوف أشرب ماء البحر أمس.

یستخدم سیبویه بنیویاً مصطلحات مثل بنى وبناء لیدل على الانتقال من الأصوات الوظیفیة إلى النحو (التراکیب) عبر علم الصرف؛ أی من الوحدة الصوتیة إلى الجملة.

إنه یتحدث عن اللفظ والقول (الکلمات المحکیة والعبارات والجمل). هنا یتحدث سیبویه عن المبنى ـ ما یقوله الفرد ـ والترکیب ـ الطریقة التی یقوله بها. فمن الناحیة البنیویة إذاً یدخل کلام المرء فی صنفین: حسن وقبیح حسب موقع القول ضمن ما یقال. وهذا ما ندعوه الصحة البنیویة ومکانها ضمن عملیة التواصل.

بالإضافة إلى ذلک یحتوی کتاب سیبویه کنزاً من الأفکار والمواد اللغویة التی بدأ استقصاؤها.

أتى بعد سیبویه عدد من النحویین العظام الآخرین فی القرون الوسطى، وربما الأعظم بینهم هو ابن جنی الذی تشکل أعماله موضوع کتاب عبد القادر مهیری بعنوان: «نظریات ابن جنی النحویة»، الصادر فی تونس عن مطبعة جامعة تونس فی عام 1973 [2783].

الختام:

حاولت فی الصفحات السابقة أن أعطی القارئ فکرة موجزة جداً عن أهمیة الدراسات اللغویة العربیة کحلقة وصل فی تطور علوم اللغة من الیونانیین حتى العصر الحدیث. والصورة التی رسمتها هی بکل بساطة صورة العصور الوسطى التی استخدمها علماء مثل دی ساسی وفلایشر وفرایتاغ وفلوغِل ونولدکِه ورِکیندورف وشادِه وفولَّرز وفیشر وبلوخ وساراوڤ ودفوک وبیرکِلاند وکانتینو وفلایش، بالإضافة إلى علماء من جیلنا الذین اتخذوها کنقطة بدایة لاهتمامهم فی الدراسات اللغویة العربیة. ویمکن أن نرى أهمیة هذه الدراسات وثمارها من قائمة المصادر هذه التی تتعامل مع فرع واحد فقط من اختصاصنا، وهو علوم اللغة. ومن الطبیعی أن تکون علوم اللغة الباب الذی یدخل منه الطالب إلى رحلة مغامرة العقل إلى أرض الثقافة الجمیلة. إن طریق اکتساب المعرفة فی الثقافة العربیة هو عبر لغتها.

وکما نعلم جمیعاً إن اللغة العربیة هی إحدى لغات العالم الثلاث عشرة، واللغات الاثنتا عشرة الأخرى هی حسب انتشارها: الصینیة والإنجلیزیة والهندوستانیة والروسیة والإسبانیة والألمانیة والیابانیة والفرنسیة والإندونسیة والبرتغالیة والبنغالیة والإیطالیة. ولکن اللغة العربیة هی التی تتمتع بالقوة الأعظم انتشاراً وثقافة. وکحاملة للفکر الإسلامی تؤثر على متحدثی اللغات الأخرى المتموضعة فی إیران وأفغانستان والاتحاد السوفیاتی والهند والباکستان وحتى الصین وإندونیسیا، إذا لم نذکر ترکیا والبلقان ومناطق فی أفریقیا.

والمناطق التی یسکنها الذین لغتهم الأم هی العربیة تضم کل شمال إفریقیا شمال الصحراء من المغرب إلى مصر وموطنها الأصلی فی الجزیرة العربیة والدول العربیة فی الشرق الأدنى.



(*) أستاذ، قسم الدراسات الکلاسیکیة والسامیة، جامعة ولایة نیویورک، بنجهامتون.

نظرات 1 + ارسال نظر
ح سه‌شنبه 7 شهریور‌ماه سال 1391 ساعت 12:04 http://ahwazlove.blogfa.com

سلام علیکم
المقال رائع ومفید وفقکم الله.
زورونا
تحیاتی

برای نمایش آواتار خود در این وبلاگ در سایت Gravatar.com ثبت نام کنید. (راهنما)
ایمیل شما بعد از ثبت نمایش داده نخواهد شد